الحب الأول
قرر زوجها أن يصطحبها إلي طبيب نفسي ، بعدما ازدادت عصبيتها ، وتوترها في الفترة الأخيرة عن الحد المحتمل ، وبعد إلحاح منه وافقت لأنها شعرت من داخلها أنها غريبة الأطوار ، دائماً قلقه ، نفسيتها متذبذبة ، أحوالها مضطربة ، غير مستقرة ، أنها في حاجه لان تفتح صدرها لشخص ، وتزيح عن كاهلها ذلك الشيء الذي يكتم أنفاسها ، ويفقدها حياتها ، وذهبا إلي الطبيب ، وجلست علي الأريكة المخصصة للمرضي ، بعد أن حقنها بعقار مهدئ للأعصاب ، وبمجرد أن استرخت خلاياها ، حتى بدأت تروي له عندما كان عمرها أربعه عشر عاماً وعمره عشرون حينما قال لها : احبك ، ولأول مرة كانت تستمع إليها من رجل يقف أمامها بعيداً عن التلفاز بمسلسلاته وأفلامه ، ولأول مرة تحمر وجنتيها ، وينتفض قلبها ، ويرتج كيانها ، وتتثلج أطرافها ، إنها الآن أنثي .
كم كانت سعيدة إذا رسم لها خيالها صورة ، وهي تخدمه في بيت صغير واحد يجمعهما ، كم كانت قلقه ومتخوفة من فارق السن ، وان تحول الظروف من ارتباطهما ، ولكن بمجرد أن تراه حتى يختفي كل خوفها وحيرتها وتفكيرها ، ويزداد إعجابها برجولته وثورته وغيرته ، وانفعالاته حينما تتأخر عليه قليلاً ، وعرفت عنه كل شيء تقريباً ، ما يحبه وما لا يحبه ، ما يأكله وما لا يأكله ، أصدقائه وأعدائه ، خط سيره اليومي بداية من أن يستيقظ في الصباح ، حتى يأوي إلي فراشه ليلاً ، وكم ترقص طرباً حينما يأمرها بأن تفعل ذلك ولا تفعل ذلك .
ولكن سعادتها لم تستمر ، وعرفت صديقاتها بالقصة ، وأصبحت محل سخريتهن ومعايرتهن ، وبكت ولأول مرة تنزل دموعها من اجل رجل أحبته ، من اجل خطيئة لم ترتكبها ، وعلمت أختها الصغرى ، وطلبت منها ألا تخبر أحد بالأمر ، ووافقت في مقابل أن تمنحها بعض النقود ، أو تخفي عنها مصيبة قد ارتكبتها كرسوبها في امتحانات الشهر ، وتحملت كل ذلك من أجل حبها ، وفي أحد مرات حديثها معه خلال التليفون دخل والدها ، وسألها مع من كنت تتحدثين طوال ساعتين ؟؟
من الممكن أن كانت تكذب ، وتقول له إنها كانت تتحدث مع صديقة ما ، ولكنها فجأة تحولت إلي نمرة شرسة تحاول حماية صغارها ، أنثي تدافع عن حبها وحياتها ، أنثي ظلت صابرة لعام كامل متحملة لأحاديث صديقاتها ، وغمزاتهن ومتقبله ، وراضخة لطلبات أختها ، شيء بداخلها ، وفي أعماقها جعلها تثور لتخرج الحب إلي النور ، وبكل ما تملك صرخت : إنني كنت أحدثه .. إنني أحبه .. أحبه .
وهنا لم تدر ماذا حدث ، كل ما علق بذاكرتها ، أن يداً قويه صفعتها ، وأن بركان من الغضب انفجر فيها ، ولكنها لم تشعر بأي ألم ، لقد كانت غائبة عن الوعي تماما ،ً وبعد أن وعيت ، ورأت كم التعذيب محفور علي جسدها ، كانت مجموعه من القرارات في انتظارها ، عدم التحدث في التليفون ، وعدم الخروج من المنزل إلا بأوامر ، وفي صحبة أحد من أشقائها ، لكنها لم تبالي كثيراً ، فجسدها ازداد نحولها ، عيناها هائمة ساهمة كانت قلقه .. متوترة .. متحيرة ، تلعن الحب تارة ، وتتلذذ بأيامه تارة أخري ، من يراها يظن أنها سيده مقبله علي الموت ، بعد أن داهمتها كل أمراض الدنيا ، وكأنها فقدت روحها ، وكم تمنت لأن يموت الناس والمجتمع بأكمله ، وتبقي هي وهو فقط ، ومرت السنون حتى تزوجت بآخر ، وأهلها في غاية السعادة ، ولكنها لم تنسي حبها الأول ..