"من لم ينكح شامية مات أعزب"، مقولة أثرت في الشباب الجزائري، الذي يبدو أن البعض منه جعلها معيارا في اختيار شريكة الحياة.. اتصال هاتفي حول رفض إدارة مخيم "نات كوم" بسيدي فرج، غرب العاصمة، استقبال بعض الشباب الذي ادعى رغبته في تقديم بعض الهدايا للاجئين السوريين بمناسبة العيد، جعلنا نقف على حقيقة مفادها أن بعضا من الشباب يتقرب من العائلات السورية طلبا في النسب.. إلى هنا الأمر عادي، لكن الغريب في الأمر هو الزواج بعقد عرفي.. وأن الهدايا والمساعدات هي مجرد مطية لولوج "أبواب العائلات السورية اللاجئة" بالجزائر.
وصلنا إلى المخيم في حدود الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا، حيث كانت حافلة لمدرسة قرآنية من الجزائر الوسطى مركونة أمام المخيم وبها شباب في مقتبل العمر كلهم سعادة بما قدمت أيديهم من مساعدات لضيوف الجزائر من الإخوة السوريين، رفضوا التصوير أو التصريح، لأن ما يقومون به هو وبكل بساطة لوجه الله، وغير بعيد عنهم كان عدد من السوريين والجزائريين يتجاذبون أطراف الحديث.. محمد سهيل العطار، رعية سوري مقيم في الجزائر منذ 35 سنة، تحدث إلى "الشروق " يقول أن حديثا بلغه حول وجود جزائريين يريدون الزواج من شابات سوريات ولكن بعقد عرفي، "هي جهات سيئة تريد ضرب العلاقات الجزائرية السورية" - يقول العطار - "وفي اعتقادي هي من سوريا"، ثم يستطرد قائلا "قدمت أنا وزوجتي في أول أيام العيد وقدمنا هدايا للأطفال.."، واصلنا حديثنا إلى الرعايا الموجودين بالمركز، حيث وبالحصول على إذن بالدخول تمكنا من ولوج أسوار "الملجأ" الذي خصصته السلطات الجزائرية للرعايا السوريين غير بعيد عن شاطئ البحر، وهناك كان "إبراهيم.ح" صاحب الـ 38 سنة في شدة الغضب بعد الذي سمع ممن كانوا يملأون المكان حول وجود جزائريين يرغبون في الزواج من سوريات "زواجا عرفيا"، "السوريات لسن رخيصات حتى نبيعهن، بناتنا أحرار ونحن شعب حر لا نقبل إلا الحرية لذلك هربنا إلى بلد الحرية الجزائر"، يضيف "لن نبيع بناتنا بسبب اللجوء نحن أحرار وبناتنا حرات"، "حقيقة هناك من تقربوا من المركز وطلبوا الحديث إلى بعض العائلات حتى خارج أسوار المركز"، يقول مرافقه "حتى أن هناك من قال أنه يتم تزويج السوريات بالمساجد بمهر 5 آلاف دينار ومؤخر صداق قيمته 7 ملايين سنتيم"، يقاطعه إبراهيم ويواصل حديثه عن الوضع في المركز بالقول أن التكفل بالأمور المتعلقة بالأكل واللباس والأغذية ممتاز، "غير أن الإشكال يكمن في شدة الحرارة، وعدم وجود التهوية في المخيمات"، "شباب من مختلف الأعمار ومن كل الفئات يدقون أبواب العائلات السورية في المركز وخارجه لمصاهرة السوريين، وكأن الجزائريات لم يعد مرغوبا فيهن - يعلق شاب جزائري من العاملين بالمركز كان يقف غير بعيد عن إبراهيم -، "بهدلو بينا، على الأقل يحترموا ظروف تواجد هذه العائلات في الجزائر".
تركنا الشباب يقف مستقبلا أفراد المدرسة القرآنية بمعية الأطفال، وولجنا إلى داخل المخيم، والبداية كانت بالمطعم، حيث كان شاب يغسل حبات الجزر ويضعها في صناديق من أجل الشروع في طهيها من قبل المكلفات بذلك، واللواتي اخترن العمل طواعية، تقول الطبيبة النفسانية ربيعة معاش "بالأمس لم يكن هناك خبز، كون العديد من المخابز لم تعمل، فلم يكن علي أنا ورفيقاتي سوى طهي خبز في المنزل، هو أمر أنا اخترته متطوعة ولم يجبرن أحد على ذلك"، وفي غمرة حديثنا كانت الشابتان المتطوعتان تنظفان المكان، قدور من مختلف الأحجام، وأواني على الرفوف، في مطبخ فاقت مساحته المرآب، غادرنا إلى ساحة مترامية الأطراف، على قبل أن يلتحق بنا "حسين الحسن" صاحب الـ51 سنة، المنحدر من حلب، وهو رجل أعمال كان يعيش بألمانيا، يسرد جزءا مما عايشه بعد أن التحق بالجزائر منذ شهر بالتمام رفقة عائلته المكونة من 5 أفراد، زوجته وثلاثة أبناء، يقول أنه اختار الجزائر، لأنها البلد الوحيد الذي قبل استقبال السوريين دون أن يفرض عليهم تأشيرة السفر.
كما أن السلطات أقرت تمديد فترة إقامة السوريين في الجزائر إلى 7 أشهر أخرى قابلة للتجديد -حسب ما تم إبلاغهم به- حسين كان مغتاظا هو الآخر ولكن ليس من الشباب الراغب في الباءة من سوريات، وإنما من السوريين الذين سودوا صورة أحرار الشام، "أمر مخجل للسوريين أن يترك هؤلاء مكانا محترما تم تخصيصه لهم وباسمهم ويختاروا الهيام في الشوارع"، ثم يضيف متسائلا "أود أن اعرف كيف تمكن هؤلاء من ضمان سعر تذكرة الطائرة بـ30 ألف ليرة سورية، ثم يدخلون الجزائر لمد يدهم.. أنا شخصيا اشكر الجزائر شعبا وحكومة على ما قدموا، نحن مرتاحون هنا وفي أمان، لا ينقص سوى بعض الكماليات التي قد يتم ضمانها في المستقبل على غرار نظافة الحمامات"..
.
مدير الملجأ: أدعو الإخوة السوريين للالتحاق بالمركز ويستروا أنفسهم في إطار منظم ومؤمن
تركنا سعيد رفقة ابنيه وطلبنا زيارة بعض المخازن التي تم تخصيصها لتخزين المؤونة، حيث رافقنا مدير المركز حميد غولي، أين تصادفنا في طريقنا بشابين في العشرينات من العمر وبحوزتهما كميات من المنظفات في علبة ورقية تم جلبها من المخزن المخصص لها، "كل المواد الاستهلاكية متوفرة ومن يرغب في الحصول عليها ما عليه سوى التقرب من المخزن" - يقول غولي -، حتى أنه وخلال شهر رمضان عندما رفضت بعض العائلات الطبخ المقدم من المركز وطلبت منحها اللحوم من أجل "الشواء والشوارمة"، قمنا بإحضارها، وأضاف أن العائلات فهمت أن المساعدات المالية التي تم إعلانها قام المركز بإخفائها، والحقيقة أن المحسنين قدموا تلك الأموال على أساس إعانات عينية، لأنه تم منع تقديم المعونات المادية نقدا إلا للهلال الأحمر الذي يتكفل بتحويلها إلى معونات عينية يحتاجها المعنيون.
غادرنا المركز بعد أن كثر الوافدون عليه وانشغل المسؤولين باستقبال الإعانات، وكان آخر ما وقفنا عليه هو شاب جزائري من المحسنين يملك حصانا اختار أن يستغله مجانا لإسعاد الأطفال بنقلهم على متنه والتفسح بهم في أرجاء المخيم.