في إحدى المدن المعروفة بتضاريسها الصعبة كانت تعيش فتاة في ربيع العمر...
فتاة ترى من الحياة محطة لها قوانينها التي تمكنها من المضي بسلام وسعادة في هذه الحياة ...
فتاة حالمة واقعية ورومنسية عملية تجمع بين متناقضات كثيرة ...فتاة تميل للبساطة و الجمال ...
ولأنها كذلك كانت تحب الجلوس على ضفة الشاطئ ليس لحبها الصيد و لا الغطس ولا حتى السباحة...
بل لحبها تأمل كل ما له علاقة بالبحر وروعته... التأمل كان هدفها ولم تكون تهدف لغيره...
وفي يوم من أيام الصيف وبينما كانت جالسة على ضفة الشاطئ لمحت قارب من البعيد يتجه صوبها...للوهلة الأولى استغربت توجهه ذاك...
وقد كانت في العادة تغادر المكان قبل أن تتعرف على صاحب القارب خوفا من أن يكون على مثنه أحد القراصنة الذين يجوبون المكان...
لكن هذه المرة اختلف الأمر فالقارب و بالرغم من أنه كان بعيد إلا أن ملامحه الأولى كانت توحي بأن صاحبه قبطان لا قرصان...
أقترب القارب شيء فشيء من الفتاة حتى ظهرت ملامح من كان على مثنه بوضوح ...إنه رجل يلبس ملابس القبطان ...
لكن لا شيء يثبت أنه قبطان غير ملامح وجهه البريئة التي لا يمكن لقرصان أن يحملها...
نزل القبطان من على قاربه واقترب من الفتاة ألقى السلام فردت بمثله...
قالت الفتاة : أؤساعدك بشيء معين ...
قال القبطان : وهل تستطعين مساعدتي ...
قالت الفتاة : إن استطعت فنعم سأساعدك...
قال كانت مسيرتي في عرض هذا البحر طويلة وقد خارت قواي وأريد أن أستريح قليلا
فهل لكِ أن تبقي بالجوار إلى أن أرحل فأنا أخاف أن تٌسرق أغراضي وقاربي...كما أني مللت الوحدة فالبحر و الموج أنسياني ملامح البشر...فهل لك أن تبقي...
ولأن الليل كاد يحل تاهت الفتاة أتبقى أم تذهب...بعد أخذ ورد مع نفسها...
قررت أن تغامر و تبقى...وماذا سيحدث سترافق القبطان و ستستمتع بقصصه عن البحر و الموج فهو يعرف الكثير عنه...
وبعدها سترجع لمنزلها بعد أن تكون قضت وقتا ممتعا مع ذاك القبطان...فليس كل يوم تقابل قبطان ...
وفعلا بقيت تلك الفتاة تلك الليلة مع القبطان على ضفة الشاطئ ... حدثته وحدثها عن أشياء كثيرة لم تسمع بها يوما عن البحر وأمواجه وعن أعماقه وجواهره... عن كرمه ...عن غضبه...عن ألمه...عن فرحه...حدثها عن أشياء كثيرة...
هي ليلة لم ترد الفتاة أن تنتهي...لكن هي تعلم جيدا بأن لكل ليلة نهاية...اللحظات تمر و الفتاة رفقة ذاك القبطان لا تشعر بمرورها...
وإذا بضوء الشمس يسطع من خلف البحر مشكلا لوحة جمالية ليس لها مثيل...لوحة تعلن أن الليل انتهى ...وأن اليوم الجديد بدأ...
ولأن القبطان كان كريما ومكافأة لها على تلبية طلبه قرر أن يمنحها مفتاح حديقته السحرية...
قال لها : لي حديقة سحرية في هذه المدينة وأنا لا أزورها لكثرة اشغالي...
ولأني أريد مكافأتك على تلبية طلبي سأمنحك مفتاح تلك الحديقة...
هي لكِ ففعلي بها ما تشائين...
فرحت الفتاة بهذه الهدية فهي لا تعلم ما ستجنيه من وراء الذهاب لتلك الحديقة...
غادر القبطان الشاطئ مودعا الفتاة تاركا ذكريات جميلة جدا ...
رجعت الفتاة لمنزلها وعلامات السعادة بارزة على كل ملامحها فهي اليوم قضت ليلة كاملة في محادثة قبطان وفوق ذلك أهدها حديقة سحرية...فهل يوجد سعادة أكبر من هذه السعادة...
في اليوم الموالي قررت الفتاة أن عليها أن تذهب لترى الحديقة السحرية التي مٌنحت لها لتتعرف عليها...وفعلا ذهبت الفتاة وأخذت معها
مفتاح الحديقة ...
فتحت الفتاة الباب ودخلت...
وكم كانت مفاجأتها كبيرة...هي فعلا حديقة سحرية فيها كل ما لا يخطر على بال فتاة لم ترى من الحياة غير شروق وغروب الشمس...
فيها من الروعة و الجمال الكثير...
فٌتنت الفتاة بتلك الحديقة...فصارت شغلها الشاغل واهتمامها الوحيد حتى أنها من كثرة افتتنها بها نسيت حبها لـتأمل البحر وكل ما كان يهمها يوما...
مرت أيام وأيام و الفتاة مفتونة بتلك الحديقة لا تغادرها إلا نادرا...ومن كثرة اهتمامها بها لامها من حولها على إهمالها أشياء من المفروض أنها مهمة جدا في حياتها وأنها إن استمرت على هذا الحال ستفقدها يوما...
فكرت الفتاة فيما قِيل لها مليا...واتخذت قرارا بموجبه لن تطأ رجلها تلك الحديقة إلا نادرا...من أجل تفقد سلامتها...
لكن قرراها لم يٌتخذ بالإجماع...لقد استفرد عقلها باتخاذه ولأن قلبها اللعين رفض ذلك القرار أعلن التمرد وراح يوسوس لها بضرورة أن تزاول على زيارة المكان...
وفعلا الفتاة استسلمت لوسوسة قلبها وعادت لحديقتها السحرية ...فمجرد الوقوف على أعتاب تلك الحديقة يمنحها سعادة لا تضاهيها سعادة...
ولأن سعادتها تلك كانت تفقدها أشياء أخرى مهمة جدا في حياتها أشار عليها عقلها أن ترمي مفتاح الحديقة بعيدا...فحتى لو وسوس
لها قلبها يوما بالرجوع للمكان وحتى وإن أردت ذلك...لن تستطيع فمفتاح الحديقة وقتها لن يكون بحوزتها...
اقتنعت الفتاة أخيرا بما أشار به عليها عقلها وقررت رمي المفتاح بعيدا ...إلى مكان لا يمكن أن تجده فيه مهما بحثت...
لكن أين تجد ذلك المكان...
قالت أجل أعرفه ..لا يوجد مكان أنسب من البحر هو من سحرني بهذه الحديقة وهو من سيٌبطل هذا السحر...
وفعلا ذهبت الفتاة إلى الشاطئ ووقفت على ضفته ...
وقفت و المفتاح يرتجف بين يديها وهي تقول أأرميه أو أحتفظ به...
وقفت الفتاة وراحت تصرخ في البحر العميق وتلومه...
رفعت يدها وبألم رمت بالمفتاح إلى قاع البحر...
إلى مكان تتمنى أن لا يصل إليه أحد...
وقد غادرت بعدها المكان و الحزن يرافقها ...