بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلى الله وسلم عليه في العالمين ، وعلى آله وأصحابه والتابعين . . أما بعد :
فمن حَسُنَتْ خاتمته فهو إلى الجنة إن شاء الله ومن ساءت خاتمته فهو على خطر.
ولهذا جاء في صحيح مسلم من حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا " ، فالخاتمة هي المقصود ، أن يُختَم للعبد بما يحب الله عز وجل ويرضاه .
وإذا كان الأمر كذلك ، فإن حُسْنَ الخاتمة منوطٌ بمعرفتها ، يعني إحسان العبد خاتمته منوطٌ بمعرفتها ، أن يعرف متى تنتهي حياته حتى يستعد .
وإذا كان ذلك محالاً أن يعلم متى سيموت ، ومتى سينتهي ، كما قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [ لقمان34 ] ، فإذا كان الأمر كذلك ، والإنسان لا يدري متى يموت ، فإنَّ الواجب حينئذ أن يَحْذَرَ صباح مساء ، وليل نهار ، أن يختم له بسوء .
هذا هو عمل الأكياس ، وعمل الصالحين جعلنا الله عز وجل منهم ، وغَفَرَ لنا ذنوبنا ، أنهم يستعدون للخاتمة .
والاستعداد للخاتمة من وسائل النجاة ، وهما استعدادان :
1- استعدادٌ في صلاح القلب : وذلك بالعلم النافع الذي يُورِثْ في القلب العلم بالله عز وجل ومعرفته وأسمائه وصفاته وبيقين في ذلك .
2- استعدادٌ في صلاح العمل يعني : يمتثل الأمر ، ويجتنب ما نَهَى الله عنه ، أو نهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن يكون العمل خالصاً صواباً ، خالصاً لله ، ووفق منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن يستغفر من الذنوب والخطايا .
فمن داوم على ذلك ولزم طريق الاستقامة مات بإذن الله على خاتمة حسنة .
ونحن في هذه العجالة بصدد الحديث عن علامات حسن الخاتمة ، أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن حسنت خاتمته ، وقبل عمله ، وأجاره الله من عذاب القبر ، وعذاب النار . قال العلامة المحدث الشيخ / الألباني رحمه الله : " إن الشارع الحكيم قد جعل علامات بينات يستدل بها على حسن الخاتمة _ كتبها الله تعالى لنا بفضله ومنه _ فأيما امرئ مات بإحداها كانت بشارة له ، ويا لها من بشارة " .
وإليكم هذه العلامات :
علامات حسن الخاتمة
الأولى : النطق بالشهادة عند الموت :
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ " [ رواه أبو داود ] .
وقَالَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لُقِّنَ عِنْدَ الْمَوْتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ " [ رواه أحمد ] .
عَنْ أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ " [ رواه مسلم ] .
أقسام التلقين :
ينقسم التلقين إلى قسمين :
القسم الأول : تلقين أثناء الاحتضار :
وهو السنة ، ويكون برفق ولين ، وذلك بذكر الشهادة عند الميت حتى يتذكرها ويقولها ، بدون أمر له بذلك ، لأنه ربما يعاند ولا يقولها ، وربما كفر بها عند الموت والعياذ بالله .
وقال بعض العلماء : ذكره بأعماله الصالحة ، حتى يتذكرها ، ويحسن الظن بربه .
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلاَثٍ يَقُولُ : " لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللَّهِ الظَّنَّ " [ رواه مسلم ] .
القسم الثاني : تلقين بعد الدفن :
وهو بدعة لا أصل لها ، لأن من لم يحيا على لا إله إلا الله ، فلا ينفعه أن يلقنها بعد موته ، لأن القبر دار حساب ، لا دار عمل .
فمن الناس إذا مات له ميت ، وقف على قبره وقال : يا فلان ابن فلان تذكر ما خرجت عليه من الدنيا ، أنك تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأن دينك الإسلام ، أو ما شابه ذلك ، وهذا أمر ليس عليه دليل يُعتمد عليه ، فعليه فهو بدعة لا أصل لها .
قصة النطق بالشهادة :
خرج رجلُ من الصالحين ، خرج بزوجته وكانت صائمة قائمة وليّة من أولياء الله ، خرج يريد العمرة ، والغريب في تلك السفرة أنها ودعت أطفالها ، وكتبت وصيتها ، وقبلت أطفالها وهي تبكي ، كأنه ألقي في خلدها أنها سوف تموت { ثم ردوا إلى لله مولاهم الحق ، ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين } ، ذهب واعتمر بزوجته ، وهو وإياها في بيت أسس على التقوى ، إيمان وقرآن وذكر وصيام وقيام وعبادة ، لا يعرفون الغيبة ولا الفاحشة ولا المعاصي ، عاد معها فلما كان في الطريق إلى الرياض ، أتى الأجل المحتوم إلى زوجته { وعد الله الذي لا يخلف الله وعده ولكن كثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون } ، ذهب إطار السيارة فانقلبت ووقعت المرأة على رأسها ، { أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون } ، خرج زوجها من الباب الآخر ، ووقف عليها وهي في سكرات الموت تقول : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، وتقول لزوجها : عفى الله عنك ، اللقاء في الجنة ، بلغ أهلي السلام ، وخرجت روحها إلى بارئها .
------------------------------------------------------------------------------------
الثانية : الموت بعرق الجبين :
لحديث بُرَيْدَةَ بن الحصيب رضي الله عنه ، أَنَّهُ كَانَ بِخُرَاسَانَ ، فَعَادَ أَخاً لَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ ، فَوَجَدَهُ بِالْمَوْتِ ، وَإِذَا هُوَ يَعْرَقُ جَبِينُهُ فَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَوْتُ الْمُؤْمِنِ بِعَرَقِ الْجَبِينِ " [ رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد ، وحسنه الترمذي ، وصححه الألباني ] .
كم هم الذين يموتون بعرق الجبين ، ويدفنون ، ويتغطى قبورهم بالتراب ، ثم ترش بقليل من الماء .
وهناك مأساة أيها الأخوة جد مأساة ، قصة خطيرة في سوء الخاتمة إليكموها للعظة والعبرة .
قصة غريبة :
يقول راوي القصة : لي صديق حميم في مكانة الأخ ، مات في حادث سير ، تغمده الله بواسع رحمته ، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان ، هذا الصديق لديه مجموعة بريدية إباحية ، ولديه موقع إباحي يحتوي على صور جنسية ، المصيبة أننا لا نعرف الرمز السري لتلك المواقع ، نريد إتلافها ، ولم نستطع ، كان هذا الرجل محمولاً على النعش ، ومجموعته تستقبل صوراً جنسية _ لا حول ولا قوة إلا بالله _ والدته رأت في المنام صبية يمرون على قبره ويتبولون فوقه ، المسكينة لا تدري عن خفايا الأمور ، والله إن هؤلاء الصبية الذين يتبولون على قبره ، هم الذين يرسلون الآن تلك الصور لمجموعته ، يقول : خاطبنا الشركة المستضيفة للموقع ، وكان ردهم : أنهم لا يستطيعون عمل شيء ، الرجل مات ، وآثاره تدمي قلوبنا ، وإلى متى سيبقى هذا الحال ، تلك المجموعة الخبيثة ، والموقع القذر أساءت له ، وهذا من زيغ شياطين الجن والإنس ، يقول : حسبي الله على من أغواه في إنشاء تلك المواقع ، ويقول : نرجو نشر هذه القصة ليتدارك الأحياء وضعهم قبل فوات الأوان ، ومن عنده موقع إباحي أو مجموعة بريدية إباحية ، أو مشترك معها ، أقول له : أقسم بالله العلي العظيم ، أنه لن ينفعك هؤلاء الأشرار ، بل سوف يزيدونك حسرة وندامة في يوم لا ينفع الندم .
------------------------------------------------------------------------------------
الثالثة : الموت ليلة الجمعة أو نهارها :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ، إِلاَّ وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ " [ رواه الترمذي ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 5773 ] . وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في المسلم ، أي : من هو المسلم .
عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما يَقُولُ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ " [ متفق عليه ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ ، التَّقْوَى هَا هُنَا _ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ _ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ : دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ " [ رواه مسلم ] .
------------------------------------------------------------------------------------
الرابعة : الاستشهاد في ساحة القتال :
قال الله تعالى : { َلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } ] آل عمران 169-171 ] .
وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ : " يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ من دمه ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ " [ رواه الترمذي وابن ماجة ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5182 ] .
ووردت روايات أخرى تدل على خصال الشهيد عند الله تعالى وجمعها كما يلي :
1 - يغفر له في أول دفعة من دمه .
2 - ويُرى مقعده من الجنة .
3 - ويحلى حلية الإيمان .
4 - ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين .
5 - ويجار من عذاب القبر .
6 - ويأمن من الفزع الأكبر .
7 - ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها .
8 - ويشفع في سبعين إنساناً من أهله وأقربائه .
------------------------------------------------------------------------------------
الخامسة : الموت غازياً في سبيل الله :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ ؟ " ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، قَالَ : " إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذاً لَقَلِيلٌ " ، قَالُوا : فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ " [ رواه مسلم ] .
الفرق بين القتل والموت في سبيل الله :
الفرق بينهما كما يلي :
أن القتل في سبيل الله : يعني القتل في ساحة المعركة .
والموت في سبيل الله : يعني الموت في الطريق إلى المعركة ، أو بعدها إذا أُصيب بجراح ، فمات بعد الخروج من ساحة المعركة .
فالمقتول في سبيل الله ، هو من يعامل معاملة شهيد المعركة ، لأنه قتل فيها ، فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ، هكذا جاء النص الشرعي .
أما من مات في سبيل الله ، فلا يعامل معاملة الشهيد ، وإن كان شهيداً ، لكنه لا يعامل معاملة الشهيد من حيث الغسل والكفين والصلاة ، فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه .
وجاء حديث يدل على أن كل من أصيب بإصابة في ساحة المعركة ، أو كان عائداً منها ، ثم مات بعد ذلك بسببها فهو شهيد :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ ؟ " ، قَالُوا : الَّذِي يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُقْتَلَ ، قَالَ : " إِنَّ الشَّهِيدَ فِي أُمَّتِي إِذاً لَقَلِيلٌ : الْقَتِيلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ ، وَالطَّعِينُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ ، وَالْغَرِيقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ ، وَالخَارُّ عَنْ دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ ، وَالْمَجْنُوبُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ " [ رواه أحمد وقال الألباني في السلسلة الصحيحة 4/230 : حسن صحيح ] .
----------------------------------------------------------------------------------
السادسة : الموت بالطاعون :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ " [ رواه البخاري ومسلم ] .
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الطَّاعُونِ ، فَأَخْبَرَنِي : " أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِراً مُحْتَسِباً ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ، إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَهِيدٍ " [ رواه البخاري ] .
ولعل مرض السرطان اليوم يشبه الطاعون ، أجارنا الله وجميع المسلمين منه .
تعريف الطاعون :
الطَّاعُون بِوَزْنِ فَاعُول ، مِنْ الطَّعْن ، عَدَلُوا بِهِ عَنْ أَصْلِهِ وَوَضَعُوهُ دَالًّا عَلَى الْمَوْت الْعَامّ ، كَالْوَبَاءِ ، وَيُقَال : طُعِنَ فَهُوَ مَطْعُون ، وَطَعِين إِذَا أَصَابَهُ الطَّاعُون ، وَإِذَا أَصَابَهُ الطَّعْن بِالرُّمْحِ فَهُوَ مَطْعُون ، هَذَا كَلَام الْجَوْهَرِيّ .
وَقَالَ الْخَلِيل : الطَّاعُون الْوَبَاء .
وَقَالَ صَاحِب النِّهَايَة : الطَّاعُون الْمَرَض الْعَامّ الَّذِي يَفْسُد لَهُ الْهَوَاء وَتَفْسُدُ بِهِ الْأَمْزِجَة وَالْأَبْدَان .
وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : الطَّاعُون الْوَجَع الْغَالِب الَّذِي يُطْفِئ الرُّوح كَالذَّبْحَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِعُمُومِ مُصَابه وَسُرْعَة قَتْله .
وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِّيّ : هُوَ مَرَض يَعُمّ الْكَثِير مِنْ النَّاس فِي جِهَة مِنْ الْجِهَات بِخِلَافِ الْمُعْتَاد مِنْ أَمْرَاض النَّاس ، وَيَكُون مَرَضهمْ وَاحِدًا بِخِلَافِ بَقِيَّة الْأَوْقَات ، فَتَكُون الْأَمْرَاض مُخْتَلِفَة .
وَقَالَ عِيَاض : أَصْل الطَّاعُون الْقُرُوح الْخَارِجَة فِي الْجَسَد ، وَالْوَبَاء عُمُوم الْأَمْرَاض فَسُمِّيْت طَاعُونًا لِشَبَهِهَا بِهَا فِي الْهَلَاك وَإِلَّا فَكُلّ طَاعُون وَبَاء وَلَيْسَ كُلّ وَبَاء طَاعُونًا . وَقَالَ النَّوَوِيّ : هُوَ بَثْر وَوَرَم مُؤْلِم جِدًّا يَخْرُج مَعَ لَهَب وَيَسْوَدّ مَا حَوَالَيْهِ أَوْ يَخْضَرّ أَوْ يَحْمَرّ حُمْرَة شَدِيدَة بَنَفْسَجِيَّة كَدِرَةِ وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَان وَقَيْء ، وَيَخْرُج غَالِبًا فِي الْمَرَاق وَالْآبَاط ، وَقَدْ يَخْرُج فِي الْأَيْدِي وَالْأَصَابِع وَسَائِر الْجَسَد .
وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْأَطِبَّاء مِنْهُمْ أَبُو عَلِيّ بْن سِينَا : الطَّاعُون مَادَّة سُمَيَّة تُحْدِث وَرَمَا قَتَّالًا يَحْدُث فِي الْمَوَاضِع الرَّخْوَة وَالْمَغَابِن مِنْ الْبَدَن وَأَغْلَب مَا تَكُون تَحْت الْإِبْط أَوْ خَلْف الْأُذُن أَوْ عِنْد الْأَرْنَبَة . قَالَهُ الْحَافِظ فِي الْفَتْح .
وَالْمُرَاد بِالطَّاعُونِ الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث الَّذِي وَرَدَ فِي الْهَرَب عَنْهُ الْوَعِيد ، هُوَ الْوَبَاء ، وَكُلّ مَوْت عَامّ [ عون المعبود 7 / 87 ] .
الهرب من الطاعون :
روى أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها " [ رواه البخاري ومسلم ] .
والمراد بالطاعون : كل مرض عام ، أو وباء ينتشر في جهة من الأرض ، والفرار منه منهي عنه ، وفي بعض روايات الحديث : " فلا تخرجوا منها فراراً " ، وأخرج أحمد ، والألباني في الصحيحة (1292) عن عائشة رضي الله عنها _ بسند حسن _ مرفوعاً : " الفار من الطاعون كالفار من الزحف " ، وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابراً يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له ، إلا كان له مثل أجر الشهيد " .
وقد التمس العلماء عللاً لهذا النهي ، ذكر جملة منها الحافظ ابن حجر في فتح الباري [10/200] ، منها : ضياع مصلحة المريض لفقد من يتعاهده حياً وميتاً ، وإدخال الرعب في قلوب الناس خاصة من لم يفر ، ونقل المرض إلى بقاع أخرى ، وهذا الأخير له حظ كبير من النظر ، وهو ما ذكره ابن القيم في زاد المعاد [ 4/43 ] ، وأما الخروج من أرض الطاعون لغير الفرار ، بل لعارض كتجارة وعمل معتادين ، فلا بأس به ، إذا كان سليماً من المرض ، وأمن أن ينقل العدوى بحمله للمرض .
وليستغل كل مسلم إقامته في بلد الوباء ، بحمل النفس على الثقة بالله ، والتوكل عليه ، والصبر على قضائه والرضا به ، وتذكر الأجر فيه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الطاعون شهادة لكل مسلم " [ رواه البخاري وصحيح مسلم ] .
قصة كافر القرآن :
هذا شابٌ صاد عن سبيل الله سبحانه وتعالى ، حلت به سكرات الموت ، التي لابد أن تحل بي وبك ، جاء جُلساؤه فقالوا له : قل : لا إله إلا الله ، فيتكلم بكل كلمة ، لكنه لا يقولها ، ثمّ يقول في الأخير أعطوني مصحفاً ، ففرحوا واستبشروا وقالوا : لعله يقرأ آية من كتاب الله ، فيختم له بها ، فأخذ المصحف ورفعه بيده وقال : أشهدكم إني قد كفرت برب هذا المصحف .
قصة صاحب الدخان :
وهذا شابٌ في سكرات الموت يقولون له : قل لا إله إلا الله ، فيقول : أعطوني دخاناً ، فيقولون : قل لا إله إلا الله ، فيقول : أعطوني دخاناً ، فيقولون له : قل لا إله إلا الله ، علــه يختم لك بها ، فيقول : أنا برئٌ منها ، أعطوني دخاناً .
من شاب على شيء شاب عليه ، ومن مات على شيء بعث عليه ، نسأل الله السلامة ، والعفو والعافية ، والمعافاة الدائمة ، في الدين والدنيا والآخرة .
---------------------------------------------------------------------------------
السابعة : الموت بداء البطن :
عن جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَسَارٍ قَالَ : كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ وَخَالِدُ بْنُ عُرْفُطَةَ قَاعِدَيْنِ ، قال : فَذَكَرَا أَنَّ رَجُلاً مَاتَ بِالْبَطْنِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَمَا سَمِعْتَ أَوَ مَا بَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ قَتَلَهُ بَطْنُهُ ، فَلَنْ يُعَذَّبَ فِي قَبْرِهِ " ، قَالَ الآخَرُ بَلَى " [ رواه أحمد والنسائي ، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 4/98 ] .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " . . وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ . . " [ رواه مسلم ] .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ : الْمَطْعُونُ ، وَالْمَبْطُونُ ، وَالْغَرِقُ ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " [ متفق عليه ] .
والمقصود بالمبطون : من أصيب بإسهال ، أو انتفخ بطنه ، أو سرطان في البطن ، ومات بسببه ، والحاصل أن كل من اشتكى بطنه ومات منه ، فهو شهيد بإذن الله تعالى .
ويمكن أن يحصِّل من مات نتيجة حوادث السيارات أجر الشهيد في حالتين :
الأولى : إذا مات بسبب نزيف في بطنه ، وهو ما يسمى " المبطون " ، سواء كان في سيارة أو كان ماشياً أو واقفاً فدهسته سيارة على قول بعض أهل العلم في أن المبطون : هو الذي يموت بسبب داء فيه بطنه ، أيُّ داء كان . والحالة الثانية : أن يموت بسبب التصادم _ أو الانقلاب _ سواءً مات داخل السيارة أو خارجها ، وهذا قد يشبه صاحب الهدم " المذكور في الحديث السابق [ فتاوى اللجنة الدائمة 8 /375 ] .
-----------------------------------------------------------------------------------
الثامنة : الموت بالغرق :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ : الْمَطْعُونُ ، وَالْمَبْطُونُ ، وَالْغَرِقُ ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " [ متفق عليه ] .---------------------------------------------------------------------------------
واللهم حسن خاتمتنا ........يارب .
من شاب على شيء مات عليه........