وزير الخارجية مراد مدلسي
خيّب الموقف الرسمي بشأن الفيلم المسيء للرسول الكريم، محمد صلى الله عليه وسلم، آمال الجزائريين، ولم يرق حتى إلى مواقف دول غربية، بينها الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، المعروفة بتحجّجها بحرية التعبير، كلما تعلق الأمر بقضايا من هذا القبيل.
ولم يصدر عن حكومة عبد المالك سلال، أي تصريح يدين الفيلم المذكور، باستثناء تصريح أورده موقع وزارة الشؤون الخارجية على الأنترنت منسوب للناطق باسمها عمار بلاني، في موقف باهت يبقى غير مفهوم وغير مبرر، بالنظر لجسامة الفعل الشنيع الذي طال ثابتا من الثوابت الوطنية، ألا وهو الدين الإسلامي، المدون في المادة الثانية من الدستور، كدين رسمي للدولة الجزائرية.
ولم يظهر أثر في هذه القضية لا لرئيس الجمهورية، ولا لرئيس مجلس الأمة ولا لرئيس المجلس الشعبي الوطني، ولا للوزير الأول ولا حتى لوزير الشؤون الخارجية، الذي عجز عن إصدار بيان يستنكر فيه الحادثة، بل تحاشى حتى أن يذكر اسمه في هذه القضية، وكلف المتحدث باسم الخارجية ليعلن "تأسف" بلاده الشديد لما وصفه "لا مسؤولية" من أنتجوا وأخرجوا هذا الفيلم القذر.
واللافت في الأمر، هو أن الوزير مدلسي رخّص للمتحدث باسم وزارته الأربعاء المنصرم، بتعزية حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، في مقتل سفيرها في ليبيا كريستوفر ستيفنس، رفقة ثلاثة من العاملين في القنصلية، في الاعتداء الذي تعرضت له سفارة واشنطن في بنغازي، ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء، ليبقى السؤال الذي يتعين على الوزير الإجابة عليه هو: لماذا عزّيت في مقتل السفير وأحجمت عن انتقاد الفيلم القذر؟
كان الأحرى بالحكومة أو وزارة الخارجية أو وزارة الشؤون الدينية، أن تصدر بيانا شديد اللهجة، تدين فيه الفيلم القذر وتحمّل السلطات الأمريكية المسؤولية، على الأقل لتحفظ ماء وجهها أمام الرأي العام الوطني، الذي يعيش على وقع غليان، سيما وهو يشاهد في الفضائيات الاحتجاجات والمظاهرات التي استهدفت السفارات والقنصليات الأمريكية في البلدان العربية والإسلامية.
ووضع الموقف الرسمي الموصوف بـ"المتخاذل" الحكومة في حرج كبير أمام شعبها، بالنظر للمواقف التي صدرت عن رؤساء غربيين، بمن فيهم موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي أدان بشدة "الأعمال التي تمس بتعاليم وجوهر الدين الإسلامي"، ووزيرة خارجيته هيلاري كيلنتون، التي وصفت الفيلم المسيء للرسول الأكرم، بـ"المقزّز".
التنديد الغربي بالفيلم القذر كان شاملا وعلى ذات المستوى، فالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، اعتبر العداء للديانات الأخرى "عداء للجمهورية"، أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فدعا الحكومات لـ"الرد بشكل قوي وفي حينه على الاستفزازات للمشاعر الدينية للناس"، حسبما ذكرت وكالة ريا نوفوستي الروسية، والحال كذلك بالنسبة للصحافة العالمية التي رفضت أن يكون ازدراء الأديان جزء من حرية التعبير.
مواقف الدول العربية بدورها كانت صارمة مع الفيلم القذر، ويعتبر الموقف السوداني الأكثر جرأة باستدعائها سفيري أمريكا وألمانيا لتبليغهما الاحتجاج الرسمي، موقف الرئيس المصري محمد مرسي، كان لافتا أيضا، باعتباره الفيلم عملا "عدائيا" ضد المسلمين، فيما طالب 23 حزبا مصريا الولايات المتحدة بالاعتذار للمسلمين، كما أدانت الحكومة الأردنية "بشدة" الإساءة للأديان والأنبياء، فضلا عن الرئاسة التونسية التي وصفت الحادث بـ"الإساءة البالغة إلى مشاعر المسلمين"، ورفضت إدراج أعمال من هذا القبيل في خانة حرية التعبير..
وقال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، إن الفيلم "يستحق أشد حالات الإدانة والاستنكار"، ووصفت الحكومة الباكستانية، الفيلم بـ"البغيض ويثير الكراهية والفتنة".. فأين الموقف الرسمي من كل هذا؟، ولماذا تحجم حكومتنا مثلا عن استدعاء السفير الأمريكي لتبليغه احتجاجا رسميا، ولماذا يصر كبار المسؤولين على الاختفاء وراء موظف صغير بالخارجية لا يملك حتى إمكانية إقامة صفحة على "الفايس بوك" للتواصل مع الصحفيين؟